top of page

رحلتي.. مع المنبوذ !!

                                                   ملك مصطفى

 

لم تكن البداية مع رواية المنبوذ بداية تقليدية ، مثلما هي الرواية التقليدية المتعارف عليها، التي تخضع لتسلسل زمني محافظ ، بل كانت علاقة فيها من تلقائية الإنترنيت وسرعته بكسر الحواجز وإلغاء المسافات .حيث أن الكاتب أرسلها لي ، وبعد قراءتها شعرت أنه لابد من تبنيها لأن الأصوات الآتية من السعودية قليلة ،وأنه لابد من صوت خليفة للكاتب العلم ، عبد الرحمن منيف . لقد استطاعت رواية المنبوذ أن تبقي على التسلسل الزمني كإطار خارجي لها ، مخفية الترتيب الزمني للأحداث ، باستبدال علاقات التتابع بعلاقات التداخل ، وتفكيك الحديث وتهشيمه بانتقال الراوي في سرده بين الماضي والحاضر حسب ما تقتضيه الحاجة .فجاءت، بقالب الرواية التقليدية .ولهذا فهي لا تمتلك الخيال العلمي ولا توقعات فيها ، إلا ما تحمله المفاجأة الحقيقية . إلا أن تداخل الحكايات من خلال بانوراما الوصف الدقيق السيميائي ، يحمل القارئ معه وكأنه المشاهد في قاعة السينما .الكاتب عبد الله زايد جعلنا نعيش من خلال روايته " المنبوذ " أجواء الثلاثينات البسيطة منتقلا بنا إلى تناقضات الحاضر وشعاراته الجوفاء من خلال شخصية بطله الحاضرة في شخصياته المتنوعة ، هي ورقته الحزينة التي شاء القدر له أن يلعبها ، حتى في أحلامه التي لا يرى فيها إلا بيئته العامرة بالتناقضات . إنها مأساة متلومة في أزمان عذابات .لقد استطاع الكاتب أن يربط ربطا محكما بين الزمان والمكان والحدث , فالقارئ لا يجهد نفسه لالتقاط المعنى لأنه حاضر في وصف مليء بالفجائع والضيق ،ولم يأت هذا من أحداث هامشية ، لأن الكاتب تعاطا مع قضايا الوطن منتجا رواية تحمل هموم المواطن ومحنة الإنسان العربي الموعود بقمع الحاكم وزبانيته .جاءت المنبوذ ببنية روائية شفافة تحمل تعدد الدلائل على استحالة الحوار في مجتمع يأتي من الدولة وأدواتها ، من بشر يعيشون على الفساد والتمايز الطبقي ، القهر الإنساني ومعاناة المرأة التي لا تنتهي ، على الرغم من التناول الخجول لها من الكاتب .في الرواية نعيش صورة مجتمعية واضحة عن مجتمع البادية في بداياته الأولى ثم استسلامه للتغيير الظاهري التكنولوجي مع البقاء على الموروثات التعيسة بالعادات والتقاليد . سيطرة تقنية على عقلية بدوية .الرواية لا تخلو من الوطنية ، من مجابهة العدو والرفض للاستغلال ، على الرغم من المنفى الداخلي الذي كان يعيشه داخل مناف خارجية .ذاكرة الطفولة مذهلة قادرة على الامتصاص العجيب لتأتي لاحقا بمرحلة الطرح والمعالجة . فالذاكرة ، بالرواية ، هي التي تلاحق الإنسان وتصاحبه إلى آخر لحظات حياته .رواية المنبوذ صرخة تنبيه وتوعية ، ولكن لابد من تضافر كل الطرق للوصول إلى النتيجة المطلوبة .هناك تناقض ملحوظ يطرحه لنا الكاتب بين ما يقال وما يطبق ، والفرق شاسع بينهما . مجتمع متدين دون ترجمة حقيقية للعدالة ، لإنصاف الفقراء والضعفاء ، وبشكل خاص ، النساء .لقد وفق الكاتب بنقل صورة حقيقية لمجتمعات فئوية عشائرية ، وساهم في تقوية هذا الجانب سياسة ترسيخ هذه الانتماءات والتعصب لها . العالم يتقدم ونحن نتراجع . لغة الرواية لغة سهلة استطاع الكاتب من خلالها، وبكل بساطة، أن يصور الشوق، الخوف، الحب والقلق. ومن هنا جاءت جماليتها ، من خلال توظيفها وعلاقتها بالمحيط .تنتهي الرواية إلى أن القسوة والحرمان، شيء طبيعي في بلادنا. يقول الكاتب: " لا غرابة في أن تُهان ،ولا غرابة في أن تُطرد ، وأن تُحتقر " لم أدرك معاني الكبرياء ، عشت ذليلا بائسا منبوذا .... إنه قدرنا " . ويتدارك الإنسان إنساننا فيقول : " كان على أبي أن يضيف قيمة للحياة داخل نفسي " .الإنسان هو هذا الكيان الهائل أتى الحياة ليكون موضع التجريب فيها، وليثبت لها أنه صانعها، صانع حياته ، كحد أدنى

__________________________________________

ناشرة وشاعرة ومترجمة وقاصةألقيت هذه الكلمات في حفل المكتبة الوطنية الاسبانية مدريد بتاريخ 17 نوفمبر 2006

bottom of page