يسلك بعض الآباء مع أبنائهم أنماطا مختلفة من السلوك تدفعهم الى الشعور بأنهم غير مرغوب فيهم. كلما تكرر هذا السلوك، خاصة في المراحل الأولى من حياة الإنسان، أثر ذلك تأثيرا بالغا في تكوينه النفسي. ذلك أن الطفل في هذه الفترة من فترات النمو يعتمد اعتمادا كبيرا على والديه؛ إذ يتطلب منهما العطف والحنان والحماية، بيد أنه إذا ما تعرض لهذا السلوك في مرحلة متأخرة كمرحلة المراهقة والشباب مثلا، فإن آثار الإهمال والنبذ تكون محدودة بسبب ما وصل إليه الشاب في هذه السن من نمو ونضج وثقافة. من أهم الأسباب التي تدعو الأشخاص الى الشعور بأنهم غير مرغوب فيهم:الإهمال وعدم السهر على راحتهم من ناحية المأكل والملبس. انفصال الطفل عن والديه، فالطفل حساس جدا؛ لبعد أمه عنه، حتى ولو كان ذلك لفترات قصيرة، فإن هذه الفترات كافية لأن تشعره بالقلق. كذلك، التهديد بالعقاب البدني بقصد التعويد على النظام والطاعة. التهديد بالطرد من المنزل مع كثرة التحذيرات إذا ما طلب الفرد أن يخرج بمفرده للطريق العام للعمل أو اللعب مع رفاقه؛ هذه على مستوياتها المختلفة تثبت في عقل الطفل والشاب وترتبط بمثيرات معينة، تصبح فيما بعد مصدرا للفزع، الضيق والشعور بعدم الأمن. أيضا، الإذلال، يأخذ صورا متعددة كالنقد والسخرية أو اللوم والمقارنة بين الأطفال أو إطلاق ألقاب تهكمية. إضافة الى عصبية مزاج الأبوين، خاصة الأم يسود سلوكها الضجر والتذمر وهي تقوم بإشباع حاجات الطفل، تصل الى مرحلة عدم الاهتمام بمتطلباته الذاتية. هذا الأسلوب يؤثر في سلوك الأطفال والشباب: بحيث يكون دائم الملاحظة لوالديه، يقوم بأنواع من السلوكيات لغرض لفت نظرهم والأخوة أو كوسيلة انتقامية والقيام بسلوك يتميز بالمقاومة والثورة، ليس من السهل إخضاعهم للسلطة. إن سلوكهم يدل على المرارة، إنهم في الواقع يعبرون عن هذه المشاعر بطريقة تدل على عدم الاكتراث. الشخصية المحورية في رواية المنبوذ تختزل هذه الأعراض أو بديل شخصية مجتمعية قريبة من الكاتب، أو لعلها من مخبآت الروائي السعودي المبدع عبد الله زايد. رواية المنبوذ، تقول الواقع العائلي الاجتماعي لأسرة سعودية؛ يركز السرد على الفرد الذي تنبذه العائلة، صغيرا أو كبيرا، تقصيه وتبعده وتطرده من عالمها وحياتها الخاصة. يجد المنبوذ نفسه مرغما على الانفصال عن عالمه العائلي الأصلي، لم يختر الابتعاد عن عائلته، قدر ما يجد نفسه مجبرا على الرحيل. من خلال المكابدات الواردة في مجتمع الرواية التي تتعرض لها الشخصية، هناك احتمالات رآها النقاد، تكاد تقترب مما يراه الباحثون في مجال المجتمع:الأول: قد يعمد المنبوذ الى تكوين عائلة جديدة بديلة، كما حصل لوالد الشخصية الذي سبق أن كان منبوذا من قبل عائلته، استقل وكون أسرة.الثاني:حالة العودة المتكررة في داخل المجتمع أو من خارجه، التي نراها في بقية الروايات والقصص خاصة من خلال الأفلام والمسرحيات المصرية،الى أحضان العائلة الأم، بعد يأسه من عدم قدرته على تكوين عائلة بديلة يسكن إليها ويأنس معها. قرر المنبوذ العودة الى العائلة الأصلية، حيث الأب مريض، مستغلا هذه المناسبة الاجتماعية- زيارة المريض- التي تضرب جذورها في العادات والتقاليد في مجتمع الرواية. لكن، موت وفراق الأب، ثم نبذ الأخوة ، هذا بحد ذاته يشكل صدمة، على أثرها يعود من حيث أتى.الثالث: تقهقر المنبوذ وانهزاميته.الرابع:عدم الانهزام نهائيا، إنما يستجمع قواه المادية والمعنوية، كون المنبوذ يشتغل في مجال إعلامي يبدأ يسخر قلمه المثقف لمحاربة هذه الظواهر السلبية التي تفتك بالمجتمع نتيجة تصلب العادات والتقاليد ومقاومتها لكل تطور. رد الفعل هذا هو محاولة لاثبات الشخصية الإنسانية لوجودها في عالمها الداخلي والخارجي، حين يرغب الداخل بإقامة عادات حديثة في الخارج وحين يقاوم الداخل نفسه من الداخل أي تجديد، مما يشكل صراعها المر في الحياة. يتوقف نشوء العادات الجديدة، العاطفية على التفاعلات المستمرة القائمة بين الفرد والمحيطين به. فعاطفة اعتبار الذات تنشأ من آثار وعلامات الرضا والاستياء منذ الصغر حتى الكبر، لكنها أكثر في مراحل الطفولة، حيث مدخل حديثنا في مفتتح القراءة، نتيجة تفاعل الفرد مع البيئة. في النهاية، تمنحنا رواية عبد الله زايد، أدبا اجتماعيا رائعا، وفكرا مفتوحا يعرف كيفية التأقلم مع الظروف الاجتماعية، غير المنتخبة.
Comments